عبد الحليم قنديل: إسرائيل تواصل العدوان رغم الهدنة وواشنطن شريك استراتيجي وليست حكما
المفكر السياسي: مصر تتحرك منفردة لترميم الصف الفلسطيني.. وترامب يتعامل مع غزة كقضية شخصية
كتب: على طه
في حوار خاص لقناة «سي بي سي إكسترا»، تناول الكاتب والمفكر السياسي عبد الحليم قنديل تطورات المشهد الإقليمي والدولي، من غزة التي تحاول تضميد جراحها بعد حربين مدمرتين، إلى التوترات المتصاعدة بين أمريكا والصين وروسيا، معتبرًا أن هذه الملفات مجتمعة ترسم ملامح النظام العالمي القادم.
هدنة هشة واحتلال لا يلتزم بالاتفاقات
قال قنديل إن الوضع في غزة «لا يزال غير مستقر على الإطلاق»، رغم الإعلان عن اتفاق الهدنة في مؤتمر شرم الشيخ وما سُمِّي بـ«خطة ترامب ذات النقاط العشرين».
وأوضح أن إسرائيل «ما زالت تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار بشكل متكرر»، مشيرًا إلى أن أكثر من مئة فلسطيني استُشهدوا خلال أسبوعين فقط من توقيع الاتفاق.
وأضاف أن هناك «مركزًا للتنسيق العسكري المدني الأمريكي قرب غزة في مدينة كريات جات الإسرائيلية»، يشارك في متابعة الموقف الميداني، لكنه «لم ينجح في كبح العدوان الإسرائيلي المستمر».
وأكد أن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجعل من غير الواقعي الحديث عن ضغط أمريكي حقيقي، موضحًا أن «ما يجمع البلدين ليس مجرد تحالف، بل أشبه بحالة اندماج استراتيجي، إذ تحكم إسرائيل من واشنطن كما تحكم من تل أبيب».
ترامب وإسرائيل.. من الدعم المطلق إلى الشكوك المتبادلة
ورأى قنديل أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يتعامل مع ملف غزة كقضية شخصية، مشيرًا إلى أنه «أبدى في أكثر من مناسبة عدم ثقته في نتنياهو، واعتبر أنه يتلاعب به».
وأضاف: «ترامب كان يقول سابقًا إن من ينتقد إسرائيل في أمريكا يدمر مستقبله السياسي، لكنه اليوم يرى أن من يفرط في تأييد إسرائيل هو من يُعرض نفسه للخطر السياسي».
وأشار قنديل إلى أن تبدّل المزاج الشعبي الأمريكي بات واضحًا، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن 59% من الأمريكيين يدعمون إقامة دولة فلسطينية، وأن هذه النسبة ترتفع إلى 80% بين الديمقراطيين، ما يعكس تحولًا ملحوظًا في الرأي العام الغربي عقب «مأساة غزة» التي هزت الضمير الإنساني، على حد تعبيره.
نتنياهو يسعى لاستثمار الحرب انتخابيًا
وفي قراءته للمشهد الإسرائيلي، اعتبر قنديل أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحاول توظيف نتائج الحرب على غزة في معركته السياسية الداخلية، قائلًا إن «نتنياهو يسعى لتبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية للاستفادة من صدى ما يسميه النصر في غزة».
وأضاف أن تل أبيب «تتحدث عن نزع سلاح حماس، رغم أنها لم تستطع تحقيق ذلك خلال عامين من احتلال أجزاء من القطاع»، متسائلًا: «كيف يمكن لقوات عربية أو دولية أن تنجح في ما فشلت فيه إسرائيل؟».
وأكد أن مصر تصر على صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لتحديد مهام أي قوات دولية محتملة للفصل بين الأطراف أو مراقبة وقف إطلاق النار، معتبرًا أن «فكرة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية معقدة وغير واقعية».
القاهرة تتحرك منفردة لترميم الصف الفلسطيني
وفي ما يخص الجهود المصرية للمصالحة الفلسطينية، شدّد قنديل على أن جهاز المخابرات العامة المصرية «يقوم بدور محوري في تقريب وجهات النظر بين حركتي فتح وحماس»، موضحًا أن هذا الجهد يمتد منذ أحداث الانقسام في غزة عام 2007 وحتى اليوم.
وقال إن الانقسام الفلسطيني هو «أضعف عناصر المشهد الفلسطيني، ويشكّل عبئًا على القضية كلها»، لافتًا إلى أن مصر «تكاد تلعب منفردة في هذا الملف، رغم وجود دعم محدود من بعض الأطراف الإقليمية».
وأضاف أن الاجتماع الأخير في القاهرة حقق تقدمًا من خلال تشكيل لجنة من المستقلين لإدارة المرحلة المقبلة في غزة، معتبرًا أن هذا يمثل «خطوة أولى نحو إعادة بناء الثقة بين الفصائل».
برغوثي قد يغيّر موازين السلطة الفلسطينية
وأشار قنديل إلى أن إطلاق سراح القيادي الأسير مروان البرغوثي – الذي طرحه ترامب ضمن أفكاره – «قد يبدّل موازين القوى داخل حركة فتح»، مضيفًا أن البرغوثي «يُعد رمزًا وطنيًا كبيرًا، وخروجه من السجن يمكن أن يخلق توازنًا جديدًا بين فتح وحماس».
وألمح إلى أن هناك «معارضة داخل حركة فتح نفسها لإطلاق سراحه، ترتبط بحسابات الخلافة داخل الحركة بعد الرئيس محمود عباس، الذي كلّف مؤخرًا حسين الشيخ بمنصب نائب الرئيس».
تساؤلات حول الواقع والممكن
وفي ختام حديثه، شدد عبد الحليم قنديل على ضرورة «التمييز بين الأمنيات والحقائق على الأرض»، قائلاً:
«الحديث عن الدولة الفلسطينية لا يكفي لتحقيقها، تمامًا كما أن منع ضم الضفة الغربية لا يتحقق إلا بوقف التوحش الاستيطاني».
وأشار إلى أن عدد المستوطنين في الضفة «تضاعف عدة مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو»، معتبرًا أن ذلك «يكشف زيف الحديث عن السلام بينما الأرض تُلتهم يومًا بعد يوم».





