عبد الحليم قنديل: واشنطن لا تريد حربًا شاملة لكنها تُشعل الحرائق بالوكالة
المفكر السياسي: العالم يعيش تحولات ما بعد الأحادية الأمريكية.. وأوروبا تتبع واشنطن بلا بوصلة
كتب: على طه
يواصل الكاتب والمفكر السياسي عبد الحليم قنديل قراءته للمشهد الدولي الراهن، مشيرًا فى حواره الخاص لقناة “سى بى سى أكسترا” إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى لحرب كبرى لكنها «تُدير صراعات متفرقة لإبقاء العالم في حالة توتر دائم»، مؤكدًا أن «القرن الحادي والعشرين يشهد تراجع الهيمنة الأمريكية وبروز تعددية قطبية قيد التشكل».
أمريكا تُدير الأزمات لا تحلها
يرى قنديل أن واشنطن «تعتمد سياسة إشعال الأزمات ثم إدارتها بما يخدم مصالحها»، مستشهدًا بما يحدث في أوكرانيا والشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي.
وقال: «الولايات المتحدة لم تعد قادرة على خوض حرب شاملة، لكنها ما زالت قادرة على خلق أزمات تُرهق خصومها وتستنزفهم اقتصاديًا وسياسيًا».
وأضاف أن القيادة الأمريكية الحالية «تتبنى ما يمكن وصفه باستراتيجية التعطيل»، موضحًا أن الهدف منها «منع الصين وروسيا من استكمال صعودهما الطبيعي، عبر إشغال كل منهما بصراعات جانبية قريبة من محيطه».
أوروبا بلا رؤية وتابعة لواشنطن
وانتقد قنديل الموقف الأوروبي من مجمل الأزمات الدولية، قائلاً إن أوروبا “تسير وراء واشنطن دون بوصلة”.
وأوضح أن دول الاتحاد الأوروبي «فقدت استقلال قرارها منذ حرب أوكرانيا، وأصبحت تتصرف وفق أجندة البيت الأبيض، حتى لو كان الثمن هو الانكماش الاقتصادي وتراجع النفوذ».
وأضاف: «لم تعد أوروبا لاعبًا مؤثرًا في النظام الدولي كما كانت في القرن العشرين، بل تحولت إلى ساحة صراع بين النفوذ الأمريكي والاختراق الاقتصادي الصيني».
وأشار إلى أن الموقف الأوروبي من حرب غزة تحديدًا «كشف عن انقسام واضح»، إذ أظهرت المظاهرات الشعبية في فرنسا وإسبانيا وألمانيا «هوة واسعة بين الرأي العام الأوروبي وحكوماته المتحالفة مع إسرائيل».
الصين وروسيا.. من الشراكة إلى التوازن الدولي
وفي قراءته للعلاقات بين موسكو وبكين، أوضح قنديل أن التحالف بين الصين وروسيا ليس تحالفًا أيديولوجيًا بقدر ما هو تحالف مصالح، قائلاً إن «البلدين يدركان أن كسر الهيمنة الأمريكية لا يكون بالحرب المباشرة، بل ببناء نظام بديل تدريجيًا يقوم على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والعملة المشتركة».
وأشار إلى أن التعاون بينهما في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتمويل الدولي «يمثل البنية التحتية لعالم متعدد الأقطاب»، مضيفًا أن «الحديث عن تحالف عسكري دائم بينهما غير دقيق، لكنه تحالف استراتيجي في مواجهة الهيمنة الغربية».
الشرق الأوسط ساحة اختبار للنظام العالمي الجديد
وفي سياق حديثه عن المنطقة العربية، شدد عبد الحليم قنديل على أن الشرق الأوسط أصبح الساحة المركزية لاختبار موازين القوى الدولية، لافتًا إلى أن «الصراع في غزة ليس مجرد نزاع محلي، بل حلقة في سلسلة التفاعلات الكبرى بين القوى العالمية».
وأوضح أن «مصر والسعودية وإيران وتركيا تمثل أقطاب التوازن الإقليمي الجديد»، مشيرًا إلى أن استقرار المنطقة مرهون بتفاهمات بين هذه القوى الإقليمية أكثر من ارتباطه بإرادة واشنطن أو تل أبيب.
وقال: «الشرق الأوسط القديم الذي كان يُدار من الخارج انتهى، والشرق الأوسط الجديد يتشكل من داخل المنطقة نفسها، بقدر ما تملكه شعوبها من إرادة واستقلال قرار».
القاهرة تعود إلى موقعها القيادي
وفي تقييمه للدور المصري، أكد قنديل أن مصر استعادت موقعها الإقليمي بفضل سياستها الخارجية المتوازنة، مشيرًا إلى أن القاهرة «تتحرك وفق معادلة دقيقة تجمع بين ثوابت الأمن القومي العربي والتفاهم مع القوى الكبرى دون انحياز».
وأضاف أن «التحركات المصرية في ملفات غزة وليبيا والسودان تعبّر عن إدراك عميق لطبيعة المرحلة، وعن رغبة واضحة في ترميم النظام العربي على أسس جديدة من الواقعية والتعاون».
وقال قنديل في ختام حديثه: «الرهان على مصر هو الرهان على بقاء المنطقة نفسها، فمصر تظل مركز التوازن العربي ومفتاح أي سلام عادل في الشرق الأوسط».





